ماهي النرجسية؟ مصاصي الطاقة .. العلاقات السّامة

من أكثر هذه الشخصيات التي حظيت باهتمام وانتباه المختصّين هي 
الشخصيات ذات الطابع الدرامي 

أولها الشخصية النرجسيّة 
هناك النرجسي الظاهر overt narcissist 
النرجسي الباطن covert narcissist

النرجسي الظاهر أو العظيم Grandiose 
صفاته
شعور بالاستحقاق عالي وكأنه أعلى من القوانين والأنظمة لا تنطلي عليه - جريء - منطلق اجتماعياً ومسيطر - لا يتأثر بالانتقاد-ثبات انفعالي شديد- أحلام حول العظمة والشهرة
متكبّر - احتياج دائم لعبارات الإعجاب والتقدير- غير متعاطف

النرجسي الخفي الباطني vulnerable narcissist 
صفاته متردد - قلق - خجل يشعر بالكثير من العار وعدم الثقة بالنفس 
احتياج للإعجاب والتقدير- غير متعاطف- غضبه سلبيpassive aggressive- يحسد الناس  كثير المقارنة ويخاف الحسد 


من الطبيعي لما يخلق الطفل الصغير أن يكون بطبعه نرجسي فهو لا يعرف كيف يأخذ ظروف الآخرين بعين الاعتبار 
عندما يكون رضيعاً يبكي الطفل عندما يجوع أو يظمأ أو يشعر بالحرّ فهو لا يستوعب أن أمّه متعبه أو عندها عمل 
وليس المفروض أن يُقدّر بل وظيفة الوالدين تلبية احتياجات الطفل ووضع احتياجات طفلهما قبل احتياجاتهما الخاصّة
وعندما يلبي الوالدين احتياجات طفلهما دون كلل أو ملل يتعلم الطفل مع الوقت من أمّه وأبيه العطاء ... يتعلم كيف يعطي للآخرين
لكن لا ننسى أن الاحتفاظ ببعض النرجسية في الكِبر أمر جيّد بل وضروري  للحفاظ على النفس مثلاً عندما يقع حادثٌ لي وأُصاب إصابةً بالغة مع نزيف من الحكمة أن أترك كل شيء وأذهب للمستشفى لأعالج نفسي ومن غير المعقول أن استمع لصديقي وهو يشتكي من ظروفه الصعبة وأنا أنزف فهنا النرجسية شيء جيد
أو فرضاً زوجتي ستلد وتعاني من آلام المخاض هنا لابدّ أن أسابق في الشارع وأتجاوز السيارات وربما هنا لا ألتزم بقواعد المرور 

ولكن من يفضل نفسه على الآخرين دائماً وفي كل حال ويبدي احتياجاته على احتياجات غيره ولو رأى غيره أسوأ حالاً منه بل حتى يحّرف الوقائع العلمية والحقائق حتى يكون هو على حقّ ويغلِب في الجدال أو يكسب قضيّة فتلك لا شك نرجسية مرضيّة

منشأ النرجسية:
الطفل الذي لم تلبى احتياجاته ولم يشبع من الاهتمام يستمر يشعر بالافتقار العاطفي حتى الكبر ويصبح الشخص بجسم بالغ راشد ولكن بعقلية ونفسية طفل ويشعر دائماً بشعور نقص وكأن هناك فراغ في الداخل هناك شيء ناقص كأنها حفرة في القلب لا تمتلئ لذلك هو في حاجة مستمرة للمديح والإطراء
وجب التنويه هنا أنه ليس كل فراغ في القلب سببه نقص عاطفي من الطفولة يمكن أن يكون السبب اكتئاب بعد فقدان شخص عزيز زوج،  أم أو أب ...
المشكلة عند النرجسي أنه لا يشبع فمهما حاولت ملىء هذا الاحتياج العاطفي لا يمتلىء لأنه لا يثق في أي مخلوق كان يؤمن أنه سيغدو به يوم من الأيام
فبعد ان فقد الثقة بالوالدين من هو أهلٌ للثقة من بعد الوالدين ؟؟
يتوقع هذا الشخص الغدر من أي أحد حتى من أقرب المقربين ولا يثق بأن من حوله يمكن أن يكون مخلصاً ومن هذا الشّك تنبثق نظرته السلبية لكل الأمور وكل من حوله 
فهو دائم الانتقاد وشديد الحساسيّة لأي تصرّف سلبي أي كلمة أو موقف يصدر من أي أحد يترجمها بسوء نيّة لأنه لا يثق بأحد 
لذلك هو قرر في قرارة نفسه أن يعطي الاهتمام لنفسه فقط قبل أي شيء ولا أحد غير نفسه … 
حتى الأشخاص الذين يُحبهم هم أشخاص يحبهم لمصلحة لما سيجلبون له من نفع أو مركز أو منظره أمام الناس ولا يقدر الأشخاص لذواتهم يحبّ الناس لمصلحة .. حبّه مشروط وليس لله .. وإذا مدح أحد فهو يمدحه ليتحكم به لأنه يجلب له نفعاً وعندما لا يعود فيه نفع يتخلى عنه بكل بساطة ..
حُبه حبّ سطحي لا عمق فيه .. لا يعرف كيف يغوص في أعماق الآخر لأنه لا يُدرك أعماقه هو ولا يفهم أحاسيسه هو .. ذكاؤه العاطفي متدني منفصل عن مشاعره لا يدركها لذا لا يستوعب مشاعر الآخرين
ولا يتفهم مواقف الآخرين مهما شرحت له
فهو لا يستطيع أن يضع نفسه موضع الآخر أسلوب تنشأته عطلت عنده مركز الشعور بالآخرين lack of empathy 
فمن لم يجد في طفولته من يفهمه كيف سيفهم الآخرين .. فاقد الشيء لا يعطيه إلا من رحم ربّي

هذا الطفل في الصغر تربى في عائلة مشحونة بالعنف اللفظي والجسدي
أحد الوالدين ينهال بالصراخ والمسبات على الطفل وحتى الضرب الجسدي  ( يا حمار … يا غبي … يا أحمق … إلخ )
هذه التصرفات تحطم تقدير الطفل لذاته وتحطم ثقته بنفسه
يحاول الوالد الآخر في محاولة يائسة من طرفه أن يصحح الوضع فيبدأ بمديح الطفل ( أنت بطل .. أنت ذكي .. أنت مميز )
هنا يقع الطفل في حيرة 
هل هو غبي أم ذكي ؟ كل والد يتكلم عكس الآخر
فأي صوت سيتبنى برأيكم لبناء صورته الذاتية .. الصوت الإيجابي !!! 
ولحظة يقرر الطفل تبني الرأي الإيجابي يقرر معه في قرارة نفسه أن يلغي تماماً الصوت الآخر إبتداءً من ذلك اليوم وهو لا ولن  يعير لأي منتقد اعتباراً ولو كان على حقّ فهو يلغي ولا يعير أي انتباه لمن يوجه له ملاحظة ولو كانت صحيحة ولو كانت بأسلوب لطيف 
أنت إما ضده أو عليه
لا يعرف كيف يختلف بالرأي ولا يتقبل أن يكون لأحد رأي مخالف عن رأيه .. الرأي إما رأيه أو لاشيء ..  أي كلام مخالف غير مقبول 
هذا النمط من التفكير اسمه أبيض أو أسود 
إنك إما عدو أو صديق 
لا حل وسط
وباعتباره لا يتقبل الانتقاد فهو إذا لا يخطىء ولا يتقبل فكرة أنه ممكن أن يكون مخطئاً لذلك مستحيل أن يعتذر وإذا اعتذر يكون اعتذار حيلة وليس اعتذاراً منبثقاً من ندم حقيقي ومن الصعب أن يذهب للعلاج لأنه لا يؤمن بأنه يخطئ هو أفضل من الآخرين وهم الذين لايقدرونه
هنا نفهم خطورة العنف عند تربية الأطفال
وهنا نفهم لم يُشدِدُ الأخصّائيون النفسيون على عدم التعنيف في التربية  فالمطلوب هو التعليم
والتعليم وليس التعنيف وفي عائلة كهذه يمكن أن يتعلم الطفل التصرفات النرجسية من خلال مراقبته والديه واقتباسه من أطباعهم
كما أن هذا النرجسي لا يحسن فن الاستماع ولا يستطيع أن يسمع لك .. لا يستوعب مغزى الكلام .. وإن استمع فهو يستمع ليُحضر الردّ وليس ليتفهم موقف الآخر .. دائما اهتمامه محصور في نفسه وكيف يدافع عنها ويدرأ عن نفسه التهم لأنه لا يخطئ ومن الحيل النفسية التي يشتهر بها هي ال gaslighting  أو بالعربي "يتغدى بالشخص قبل أن يتعشوا به " وهي من أساليب الدفاع الشهيرة التي يتعلمها من الصغر ليدرء عن نفسه اللوم بأن يعكس اللوم على الآخر فيقول "ليس هو الذي نسى لكن الآخر من نسى ، هو لم يقصد بل الآخر شديد الحساسيّة ، هو لم يخطئ الآخر فهم قصده خطأ ويسيء الظن" وبهذه الطريقة هو يقلب الحقائق فهو دائما المظلوم والضحية والآخر هو الظالم والجاني ومستحيل يعتنق فكرة أنه أخطأ 
وكأن عنده إعاقة عاطفية ومن هنا كانت أهمية التقليل من اللوم قدر المستطاع في التربية حتى لا نعلم الطفل الكذب

وفي الحقيقة عدد الأشخاص الذين لديهم هذا النمط في الانحراف في الشخصية قليل جداً بحدود 1% من تعداد السكان حسب الإحصائيات الأمريكية ولكن النسبة في ازدياد مستمر 
ومن الصعب تحديد ما إذا كان شخص ما فعلاً مصاب بهذا الانحراف
لابد من أخصائي يراقبه لعدة أشهر حتى يتمكن من التشخيص
وطالما أن النرجسية المعتدلة ضرورة في كل شخص وجب التنويه أن نسبها تتفاوت من شخص إلى آخر ويمكن لأحد الأشخاص أن يتسم ببعض صفات هذا النمط دون غيرها أو أن يجعله موقف معين أو تواجده مع أشخاص معينين يتصرف بنرجسية لذلك كان من الخاطىء أن نرمي التشخيص جزافاً دون تدقيق 

بعض النصائح لما شعر أن لديه بعض صفات النرجسية:

*محاولة حسن الاستماع بعرض الفهم وليس الردّ
*محاولة عدم التكلم عن الذات عند سماع مشاكل الآخر والاستماع للآخر وعدم الاستخفاف بألم الآخر وإشعاره أن معاناته أكبر بكثير من معاناة الآخر فلكل شخص قدرة على التّحمل والمعاناة معاناة سواء كَبرت أو صَغرت
*محاولة مدح الآخر أو دعمه بدل إحباطه بدون مصلحة فقط لله
*محاولة شكر من يقوم لك بخدمة دون خوف 

المصدر الموقع الرسمي للدكتور     Dr. Todd Grande 
Dr. Ross Rosenberg “The human magnet syndrome”

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواساة

الممارس غلب الفارس

أنماط التفكير السلبي