ألم الفراق

الحب هو أن تعتبر الشخص الآخر جزء لا يتجزأ من كيانك
فتتألم لتألمه
وتحزن لحزنه
وتفرح لفرحه
إن أصابته ضراء اصابك الكرب
وإن أصابته سراء انفرجت أساريرك
وكأن الاثنان شخص واحد
ومن هنا يأتي التعلق الشديد
فإن مات أو فقد الأول شعر الآخر وكأن جزءا من لبه نقص وكأنه فقد بعض نفسه
ومن هنا جاء قوله سبحانه وتعالى وأصبح فؤاد أم موسى فارغاً
الفراغ هو المكان الذي كان يشغله الحبيب

ومن هنا تأتي شدة الغيرة والرغبة في التملك
ويقول البوذيون في تعاليمهم أن التملك والغيرة هو نوع من الحب البدائي المراهق الأناني غير الناضج
لأن سبب محبة الشخص ما يحققه من منفعه لي وسرور في نفسي وليس المنطلق مصلحة الآخر ومنفعته هو 
فكأن مبدأ الحب الناضج السامي أن تطلب مصلحة ذلك الحبيب ولو كان مخالفا لهواك أو مصلحتك ورغبتك 
ولعل من غير الممكن أن يحب الإنسان دون تعلق 
فهذا مناف للعلم 
حتى أن هناك هرمون اسمه هرمون الارتباط الأوكسيتوسين oxytocin. هو المسؤول عن الشعور بالترابط وخوفنا من فقد من نحب والغيرة على مصلحته 
لكن ربما الارتباط المذموم هو ذلك التعلق المبالغ فيه الذي يلق بنا في هاوية الهلاك لو أصاب الحبيب مكروه
هذا التعلق المرضي المذموم الذي شبهه المفسرون بالشرك الخفي
وكأن منزلة المحبوب توازي منزلة الإله في القلب
فنهلك أو نموت دونه
ولا ننسى في هذا المقال النبي يعقوب الذي بكى فراق ابنه يوسف قرابة العشرين سنة حسب تقدير بعض المؤرخين
وحتى أنه فقد بصره من كثرة البكاء وهذا نبي من أنبياء الله
فعتبي على من ينفي الحزن للفقد أو الفراق ويذمه 
فكما ثبت الحزن في قصص الأنبياء فعدمه أيضا مخالف للطبيعة البشرية وأن لا نتعلق فهذا ضرب من الفلسفة الخيالية التي يطمح لها الحالمون
لعل الهدف ليس عدم التعلق بل نتقبل أننا ستتعلق .. وتقدير الأوقات التي قضيناها معا والامتنان للذكريات .. وأيضا الامتنان لمن هم حولنا الآن وهم مازالوا أحياء يرزقون بيننا ..
فحال الحياة الجمع واللقاء ولا مآل من الفراق فلعل من الحكمة عيش اللحظة وإعطاء الأحبة حقهم من الاهتمام والرعاية وألا نبخل عليهم بالتعبير عّن مشاعر المحبة والامتنان
ولما يحكم القدر علينا بالفراق ويحين وقت المغادرة لا نندم على وقت أضعناه أو حق تهاونا به بل نمر بتجربة الفراق كأي تجربة أخرى من مقتضيات الحياة وسنة من سنن الكون 
ودمتم سالمين بحفظ الله أنتم ومن تحبون




تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مواساة

الممارس غلب الفارس

أنماط التفكير السلبي